"سنوات مرت داخل القسم ، ونفس طريقة التعليم تتكرر .. الجمود سيد هذه العملية المهمة"
 
مما لا شك فيه ان عملية التعلم هي ركيزة أساسية في المجتمع ، كيف لا و هي من تنتج الأجيال ، نساء و رجال المستقبل .
و مما لا شك فيه أيضا ، أننا الآن نعيش في عصر يقال عنه عصر السرعة ، حيث بات كل شيء في متناول اليد و في دقائق معدودة.
 
لكن لحظة ، يبدو أن عصر السرعة هذا لم يدخل المؤسسات التربوية في المغرب، أو ربما دخل لكن بوجه خجول .
حمل مجموعة من الاستاذة على عاتقهم هم ''تكنلجة '' التعليم (كما يحلو لي أن اسميها ،و هي إدخال التكنولوجيا إلى التعليم ) ، و انطلقوا من أنفسهم ، حيث بدؤوا حضور دورات تدريبية تحارب هذا النوع من الأمية ، و تعلم أساسيات هذا العالم الكبير ، و لم يقف طموحهم و حلمهم بتعليم أفضل إلى هذا الحد ، بل طوروا من مهاراتهم و تعلموا برامج بيداغوجية أخرى ، و الهدف كما تقول استاذة العلوم الحياة و الأرض بإحدى ثانويات الرباط '' أحارب امية الحاسوب و اتعلم جديد التكنولوجيا المتخصصة في عالم التربية ، كي اجعل من مادتي ممتعة '' .
 
و تقول اخرى لنفس المادة بثانوية تمارة '' لم تكن لي اية علاقة بالحاسب الالي ولم اكن اعرف استعمال الفارة حتى ، لكن رحلتي إلى اليابان غيرت منحى تفكيري وبدأت فعليا افكر في تغيير طريقة تدريسي ، تعلمت أساسيات الحاسب و بعض البرامج المهمة ، ثم وظفاها في شرحي للدروس في القسم ، و لازلت أتعلم كل يوم الجديد ، لقد كان هدفي هو ان اوصل هذه المادة الجميلة الى التلميذ بأحسن الطرق و أمتعها ، وقد وجدت تفاعلا رائعا من قبل التلاميذ الذين احبوا المادة فعلا .. انا اشعر بالسعادة كلما فهم التلميذ الدرس '' .
كانت كلمات هذه الاستاذة كشحنة من الطاقة الايجابية لنظيراتها ، ودافعا قويا للتعلم و التطوير من طريقة التدريس في خضم ما يعيشه التلميذ المغربي من سرعة .
 
إنك الآن تجد اغلب التلاميذ يملكون حاسوبا ، و إن لم يكن هناك حاسوب في البيت فمقاهي الانترنت تفي بالغرض ، التلميذ الآن بات يستعمل الهواتف الذكية و الانترنت ، يقضي الساعات الطوال في العالم الافتراضي الذي يغيب فيه عامل الزمان و المكان و تغيب فيه الرقابة ، يتفاعل مع الصورة و الفيديو و اشخاص اخرين لا يعرفهم أو يعرفهم ، لكنه ينتشل انتشالا حينما يدخل قاعة الدرس الواقعية ، الجامدة ، القديمة الطراز بالطاولات الثنائية ، و السبورة السوداء و الطباشير ، و أستاذ فوق منصة عالية يلقي درسا ما و على التلميذ التركيز و تخيل ما يقوله الأستاذ إن أراد الفهم.
 
و بين هذين العالمين المتناقضين يعيش التلميذ المغربي ، بين الواقع و الافتراض .
لكن هناك جملة من الاساتذة الذين وضعوا خبرتهم الطويلة في التعليم و في تنقلاتهم من مؤسسة الى مؤسسة و من مدينة الى مدينة على المحك ، و أدلوا بعدم جدوى 'تكنلجة' التعليم ، إذ كيف لمؤسسة لا تملك الكهرباء و لا الماء و حتى المراحيض غير موجودة ان يطرح موضوع التكنولوجيا فيها للنقاش ، إن كان الأستاذ بعد عمر طويل من الكفاح يناضل من اجل بناء مرحاض داخل هذه المؤسسة التعليمية التربوية فمن العيب بما كان الحديث عن ادخال التكنولوجيا في اقسام هكذا مؤسسات .
 
يحكي استاذ بإعدادية في مدينة تمارة ، عن معاناته في إيجاد مورد كهربائي ، يستطيع ب هان يكمل حصته الى الساعة السادسة ليلا.
و من جهة أخرى ، حينما يقر أستاذ ما توظيف الموارد الرقمية في حصته ، يجد لا شيء ، فهناك ثانويات و إعداديات لم يصلها أي مورد رقمي ، و بالتالي يجد الأستاذ نفسه أمام خيارين ، إما أن يستسلم و يعود الى طريقته الأولى القديمة ، و إما أن يستعمل حاسوبه رفقة المسلاط " الداطاشو" -إن توفر لديه - الشخصي .
 
اما من جهة ثالثة ، فهي حينما يقرر الاستاذ استعمال الموارد الرقمية الموجودة في المؤسسة منذ سنوات بدون حراك ، فيفاجئ باعتراض من المدير ، أو نقص في الأجهزة ، كما أن القاعة المسماة '' المتعددة الوسائط'' تكون اغلب الوقت مغلقة ، ليجد الأستاذ انه قد مضى من الوقت الكثير على حساب الدرس و لم ينجح حتى في إيجاد مفتاح القاعة ، ليضطر للاستسلام و العودة الى الطريقة العادية القديمة .
 
أما العالم القروي ، فلديه مشاكله الخاصة ، بداية مع عدم توفر معارف قبلية للتلميذ ، فتتحول السنة الأولى من الابتدائي الى صفوف محو الأمية ، مرورا ببعد المؤسسات التربوية عن المكان الذي يقطن فيه التلميذ ، مما يجعله يقضي ساعات مشيا على رجليه نظرا لعدم توفر وسائل النقل ، و نهاية بالحالة المزرية للمؤسسة نفسها .
من الضحية ؟ و من المستفيد ؟ و متى سنرى تعليما ممزوجا بالتكنولوجيا في أقسامنا ؟
.

 
.
بقلم : أميمة دلال
الكاريكاتور:طارق بوزيد